لماذا تتعاطف قيادات الدول الغربية مع إسرا
لماذا تتعاطف قيادات الدول الغربية مع إسرائيل؟
 
 
يسود الاعتقاد منذ عقود لدى أجزاء واسعة من الرأي العام العربي والغربي بأنَّ مجموعة من الشخصيات اليهودية الموالية للصهيونية هي التي تسيطر سيطرة مطلقة على حكومات الدول الغربية وزعمائها، وهي التي تفرض بأساليب مختلفة مواقف تلك الدول تجاه النزاع في فلسطين.
 
ونجحت تلك الشخصيات نجاحاً باهراً في جعل العالم ينسى ما يتحمَّله الفلسطينيون منذ نشأة الكيان الإسرائيلي من قمع وقهر وتهميش وطرد بما لا يُطاق، وبما هو مُدان عادةً في القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان. وهذا ينطبق أيضاً على ما تحمَّله الشعب اللبناني منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي لاحتضانه المقاومة الفلسطينية وقيامه بمقاومة ناجحة في جنوب لبنان لطرد الاحتلال الإسرائيلي.
"
النظرة التبسيطية للأمور تؤدِّي إلى أخطاءجسيمة في المواقف والسياسات العربية تجاه عدوانية إسرائيل المتواصلة
"
إنَّ هذه النظرة التبسيطية للأمور تؤدِّي إلى أخطاء جسيمة في المواقف والسياسات العربية تجاه عدوانية إسرائيل المتواصلة، وتشل قدرة المجتمعات العربية المعنية مباشرةً بالصراع مع الكيان الصهيوني، إذْ تفترض هذه النظرة أنَّ لا حول ولا قوة للعرب في مكافحة ما يُسمَّى باللوبي الصهيوني، وأنَّ لا بدَّ من الخضوع لإرادته منعاً لمزيد من التنكيل بالشعب الفلسطيني أو اللبناني.
ومثل هذا الموقف يعفي أيضاً من أية مسؤولية حكومات الدول الغربية التي تسكت عن جرائم إسرائيل، بلْ تبرِّرها باستمرار، وهي التي تزوِّد الجيش الإسرائيلي بكل أنواع الأسلحة الفتاكة -والعديد منها محظور استعمالها- بحجة منح إسرائيل وسائل الدفاع عن الذات بوجه المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية.
إنَّ هذه النظرية، القائلة بالقوة التي لا تُقْهَر للوبي الصهيوني، تغض النظر تماماً عن سلسلة من العوامل التاريخية المعقَّدة التي تجعل القيادات الأوروبية والأميركية تحمي دولة إسرائيل وكيانها الغاصب إلى أبعد الحدود، بملء إرادتها، بلْ بحماس يفوق ما تطلبه إسرائيل؛ فهي تتحمَّل بالتالي مسؤولية رئيسية في ما يُرتكَب من مجازر في فلسطين أو لبنان وعدوانية وحشية تجاه العرب والرفض المطلق في الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. ويؤدِّي التمسُّك بالنظرية هذه بهذا الشكل الساذج إلى أخطاء مميتة وإلى استحالة أي حوار عقلاني مع القيادات الغربية، ومع الجزء من الرأي العام الغربي الذي يرى في إسرائيل ونشأتها وأمنها غاية بحد ذاتها، يجب الدفاع عنها إلى أبعد الحدود وذلك لأسباب تاريخية وآراء فلسفية-دينية شاسعة النفوذ.
وهذه الأسباب هي التي نتجاهلها تماماً لنتمسَّك بنظرية اللوبي الصهيوني المهيْمِن على مجمل السياسة الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط.
ونحن لا ندري أنَّ هذا الاعتقاد يريح تماماً القيادات الغربية، إذْ تجد فيه ما يبرِّئها من مساهمتها الفعالة في الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني منذ نشأته. هذا بالإضافة إلى أنَّ بعض التعابير الحادة لوجهة النظر هذه تُعتبَر نوعاً من "اللا سامية الجديدة" باتهام اليهود أنَّهم يسيطرون على مقاليد السياسات الدولية والداخلية، وبالتالي تعرِّض من يتحدَّث عنها علناً وبحدة إلى الانتقاد أو في بعض الأحيان إلى المثول أمام المحاكم في بعض الدول الغربية.
وفي الحقيقة أنَّه يتعيَّن علينا كعرب أن نقود معركة الرأي العام داخلياً وخارجياً بأساليب غير هذا الأسلوب الذي لا يفيد، بلْ يضر، للنفاذ إلى الأسباب الحقيقية وراء موقف قيادات الدول الغربية والجزء الظلامي من الرأي العام الغربي الذي يتمسَّك بالدفاع عن إسرائيل بشراسة غريبة الشكل.
ولذا نستعرض هنا الخلفية التاريخية والفلسفية والسياسية التي أدَّت إلى تكوين هذا التلاحم بين القيادات الغربية والكيان الصهيوني، وهو تلاحم يؤدّي بهذه القيادات إلى عدم تطبيق مبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني – وهي واضحة للغاية - لوضع حد للمأساة الفلسطينية، كما فعلته في أوضاع أخرى مماثلة في إفريقيا وتيمور الشرقية وناميبيا والبوسنة وكوسوفو، أو ما قامت به القيادات الغربية من إنشاء محاكم دولية خاصة لمعاقبة مرتكبي المجازر الجماعية في أماكن مختلفة من العالم مثل كمبوديا ورواندا وسيراليون ويوغوسلافيا.
وفي السنين الأخيرة انجرَّ العرب إلى الدخول في مناقشات سخيفة حول حوار الأديان والثقافات والحضارات، كبديل للحوار حول الأسباب الحقيقية التي تجعل القيادات الغربية لا تطبِّق مبادئ القانون الدولي في الوضع الفلسطيني (واللبناني).
وكأنَّ قضية فلسطين هي قضية أديان وحضارات وليست بالدرجة الأولى قضية احتلال أراضٍ في فلسطين وخارجها في دول الجوار (لبنان وسوريا)، وذلك بحجة القضاء على المقاومة، أوَليست هي قضية طرد وقمع الشعب الفلسطيني؟
هذا المنطق الغربي مرفوض تماماً ويجب التصدّي له بفعالية، بتأييد المقاومة ما دامت إسرائيل تتصرَّف بطريقة لا إنسانية تخالف مبادئ القانون الدولي.
لذلك لا بدَّ هنا من توضيح الظروف التاريخية الموضوعية التي تؤدّي بالدول الغربية إلى هذا التأييد الأعمى لإسرائيل، بعيداً عن سذاجة النظرية السائدة حول القوة الخارقة لحفنة من الشخصيات اليهودية التي يُدَّعى أنَّها تسيطر على كل هذه الحكومات في دول يتعدَّى عدد سكانها ما يقارب المليار نسمة.
إنَّ ما حصل في القمة التشاورية في الدوحة لهوَ علامة تفاؤل بالنسبة إلى المستقبل، خاصةً ببداية تغيير الخطاب العربي وإخراجه من اللغة الأوروبية – الأميركية- الصهيونية التي لا ترى فرقاً بين الجلاَّد والضحية، بلْ تؤيِّد الجلاَّد على حساب معاناة وحقوق الضحية.
  • ويجب تعزيز هذا الاتجاه بتحليل صحيح وواقعي للظروف المعقَّدة التي صاغت المواقف الغربية وخطابها الخشبي في ما خصَّ النزاع حول فلسطين. وإذا كانت هناك أبعاد دينية هامة للصراع، كما هي موصوفة باختصار هنا، فإنَّ هذه المعطيات ليست إلاَّ رؤية لقمة جبل الجليد المطمور، بالإضافة إلى كونها خاصة ببعض الكنائس البروتستنتية السلفية الهوى.
  • ويجب في هذا الخصوص إفهام القيادات الغربية بشكل حاسم بأن لا علاقة للإسلام والمسلمين عموما والعرب خصوصاً، بأسباب اضطهاد اليهود في أوروبا أكانت دينية أو عنصرية الطابع، وإفهامهم بأنَّ العرب لم يكونوا يوماً طرفاً في مأساة اضطهاد اليهود وفي المحرقة.
  • كما يتوجَّب أيضاً إفهام القيادات الغربية أنَّ العرب قد طوروا، إسلامياً ومسيحياً، قراءة العهد القديم بحيث نتحرر من القراءة الحرفية لبعض النصوص حول أرض الميعاد، والقراءة الأخيرة هي التي تسيطر على ذهن أصحاب القرار في الغرب، وأن لا قضية أخرى يمكن أن تُناقَش في موضوع أسباب الصراع في فلسطين، وإلاَّ لا بدَّ من أن ينجرّ القيادات والمثقفون العرب إلى المنطق الغربي في النظر بعطف لا متناهي إلى إسرائيل وتبرير سياساتها الهمجية والعدوانية بحجة الدفاع عن النفس. ذلك أنَّنا نحن كعرب لم نكن يوماً طرفاً بكل هذه العوامل التاريخية المعقَّدة التي ذكرْتُها، ولا قوة في العالم يمكن أن تجبرنا على أن نتحمَّل نحن كعرب، مسلمين ومسيحيين، وزر التاريخ الأوروبي والأميركي ومآسيه وقيوده.

    وإنَّ المقاومة واجب مقدَّس، سواء على أساس قيَم دينية محضة أم على أساس مبادئ إنسانوية دنيوية عامة.
  • وعلينا أن نُفْهِم أيضاً الدوائر السياسية الغربية لإبطال دعاياتها السافرة ضدنا، بأن لو كان الغزاة في فلسطين من الديانة البودية أو البرهمانية لكنا حاربناهم بنفس العناد، فالقضية في نهاية المطاف ليست قضية دينية، بلْ هي قضية مبادئ تحررية تصلح لكل الإنسانية، ومن يتخاذل من العرب، خاصةً قيادات الشعوب المحيطة بفلسطين تجاه واجب الممانعة ويتلكّأ عن تأييد المقاومة، فإنَّه يصبح في عداد الذين يمارسون الظلامية ويزرعون فساداً في العالم ويساهمون في زيادة حدة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، وفي إطالة معاناة الشعب الفلسطيني التي أصبحت لا تُطاق.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
Votre avis nous interésse!
 


Comment evaluez-vous les résultats de la gréve?
Victoire Inoubliable.
Résultat prévisible, normale.
Peu importe.

(Afficher le résultat)


Sfax-Météo
 
 
Un total de 9427 visiteurs jusqu'aujourd'hui _ Site créé par l'equipe de la magazine électronique d'UGET FMS - Novembre 2008
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement